ما هو الإنترنت وكيف يعمل؟

ما هو الإنترنت وكيف يعمل؟

ما هو الإنترنت؟

الإنترنت هو شبكة عالمية ضخمة تربط ملايين الأجهزة حول العالم ببعضها البعض، وتسمح لها بتبادل المعلومات والبيانات. هذه الأجهزة يمكن أن تكون حواسيب، هواتف ذكية، خوادم، أجهزة بثّ، أو أي جهاز آخر يمكنه الاتصال بالشبكة.

يمكن تشبيه الإنترنت بطرق وممرات عملاقة تمتد بين مدن وقرى العالم، وكل جهاز متصل به كأنه منزل في هذه المدن. تتبادل هذه "المنازل" الرسائل والمعلومات عبر شبكة الطرق هذه بسرعة هائلة، وبدون توقف.

كيف بدأ الإنترنت؟

كانت بداية الإنترنت في الستينيات كمشروع بحثي في وزارة الدفاع الأمريكية، سُمِّي آنذاك ARPANET. كان الهدف منه إنشاء شبكة تسمح بتبادل المعلومات بين عدة حواسيب في مواقع مختلفة. ومع مرور الوقت تطورت هذه الشبكة، حتى تحولت إلى ما نعرفه اليوم باسم الإنترنت، شبكة عالمية مفتوحة يستخدمها الجميع.

كيف يعمل الإنترنت؟

تخيل أن الإنترنت يشبه شبكة طرق ضخمة تربط بين مدن كثيرة، وكل مدينة تمثل جهازًا متصلًا بالإنترنت: مثل جهازك، أجهزة أصدقائك، أو السيرفرات التي تستضيف المواقع. هذه المدن (الأجهزة) تتبادل الرسائل والمعلومات عن طريق شبكة من الطرق السريعة (كابلات الألياف الضوئية، الأبراج الهوائية، الأقمار الصناعية) التي تمتد بين البيوت، المدن، وحتى القارات.

عندما تقوم بفتح متصفحك وتكتب عنوان موقع مثل www.google.com، فكأنك تكتب عنوان منزل صديقك على مظروف رسالة. لكن في الإنترنت، هذا العنوان يسمى اسم النطاق (Domain Name)، ولا يمكن للأجهزة أن تفهم الأسماء، بل تتعامل مع أرقام تسمى عناوين IP تشبه أرقام البيوت في المدينة.

عندما تضغط Enter، يذهب طلبك أولاً إلى مكتب بريد خاص بمزود الخدمة لديك، والذي يسمى مزود خدمة الإنترنت (ISP). هذا المكتب يعرف كيف يصل إلى العنوان الصحيح. لكنه لا يعرف العنوان الرقمي (IP) لموقع Google، فيسأل مكتبًا آخر يسمى DNS (نظام أسماء النطاقات)، وهو أشبه بدليل هاتف ضخم يحول اسم الموقع إلى رقمه. فإذا كان اسم الموقع google.com، يحصل مكتب البريد على الرقم الخاص به (مثلاً 142.250.185.206) ويبدأ بتوجيه رسالتك نحوه.

تبدأ الرسالة رحلتها في شبكة الطرق السريعة عبر أجهزة توجيه (Routers) وكابلات ألياف ضوئية تمتد تحت الأرض وتحت البحار، تعبر المدن والدول حتى تصل إلى السيرفر الذي يستضيف الموقع. تخيل أن السيرفر مثل مكتبة ضخمة جدًا مليئة بالكتب والملفات، مهمتها استقبال الزوار وتقديم الصفحات التي يطلبونها. عندما تصل رسالتك إلى مكتبة Google، يتعرف السيرفر على طلبك (مثلاً: "أريد الصفحة الرئيسية لمحرك البحث") ويجهزها في مظروف جديد ويرسله عائدًا إليك بنفس الطريق.

خلال هذه الرحلة الطويلة، تمر الرسائل عبر عدة محطات تسمى عُقد الشبكة (Network Nodes)، وكل واحدة منها تتأكد من أن الرسالة في الطريق الصحيح، مثل موظفي الجمارك في المطارات الذين يتأكدون من صلاحية الوثائق ويتابعون حركة المسافرين.

ولأن الإنترنت ليس مكانًا آمنًا بطبيعته، فهناك طرق لحماية الرسائل أثناء انتقالها. البروتوكولات مثل HTTPS تشبه وضع الرسالة في مظروف مختوم بالشمع لا يمكن فتحه إلا من الطرف المستلم. أي شخص يعترض الرسالة في الطريق لن يستطيع قراءة محتواها لأنها مشفّرة.


مثال تشبيهي:

تخيل أن:

  • جهازك هو بيتك.

  • الموقع الإلكتروني هو منزل صديقك في مدينة بعيدة.

  • مزود الإنترنت هو شركة البريد.

  • DNS هو دليل عناوين.

  • الرسالة هي طلبك (مثل رسالة مكتوبة أو هدية).

  • السيرفر هو موظف الاستقبال في منزل صديقك.

  • HTTP/HTTPS هي طريقة إرسال الرسالة: رسالة عادية أو رسالة مشفّرة لا يمكن لأحد قراءتها.

عندما تطلب شيئًا من صديقك، ترسل شركة البريد طلبك، تمرر الطلب بين فروعها، تستعين بدليل العناوين لمعرفة مكان صديقك، ترسل الطلب عبر الطرق السريعة، يوصله موظف البريد، يستلم صديقك الطلب، يجهز الرد ويرسله إليك بالطريق ذاته.

ماذا يحدث عند كتابة رابط في المتصفح؟ (رحلة الطلب بالتفصيل)

عندما يقوم المستخدم بفتح متصفح الإنترنت الخاص به ويدخل في شريط العنوان رابطًا مثل www.ifhmsah.com ثم يضغط على زر الإدخال، تبدأ سلسلة من العمليات السريعة والدقيقة خلف الكواليس، تهدف جميعها إلى جلب محتوى الموقع وعرضه على شاشة المستخدم. هذه العمليات تمر بعدة مراحل متتالية حتى تصل إلى النتيجة النهائية. ويمكن تشبيه هذه العملية بإرسال رسالة بريدية تطلب فيها كتابًا من مكتبة بعيدة، حيث تمر الرسالة بعدة محطات حتى تصل إلى المكتبة، ثم يتم تجهيز الكتاب وإرساله إليك بنفس الطريقة. دعنا نستعرض هذه الرحلة خطوة بخطوة.

من جهازك إلى مزود الخدمة (ISP)

في البداية، عندما تضغط على زر الإدخال بعد كتابة www.ifhmsah.com، يقوم المتصفح بإعداد طلب يُعرف باسم HTTP Request. هذا الطلب يحتوي على تفاصيل الموقع المطلوب، بالإضافة إلى بعض المعلومات الإضافية عن المتصفح والجهاز المستخدم. بعد ذلك، يُرسل الطلب عبر شبكة الإنترنت المنزلية، سواء كانت اتصالًا سلكيًا عبر الكابل أو لاسلكيًا عبر شبكة Wi-Fi.
هذا الطلب يتجه مباشرة إلى مزود خدمة الإنترنت (Internet Service Provider - ISP)، وهو الشركة أو الجهة المسؤولة عن توصيل المستخدم بشبكة الإنترنت العالمية. يمكن تشبيه مزود الخدمة بمكتب البريد الذي يتسلم رسالتك قبل أن ينقلها إلى عنوانها المطلوب.

من مزود الخدمة إلى خوادم أسماء النطاقات (DNS)

بعد وصول الطلب إلى مزود خدمة الإنترنت، يتوقف الأمر للحظة عند هذه النقطة؛ لأن الحواسيب والشبكات لا تتعامل مع أسماء النطاقات المكتوبة بطريقة مفهومة للبشر مثل www.ifhmsah.com، بل تعتمد على عناوين رقمية تُعرف باسم عناوين IP. لذلك يحتاج مزود الخدمة إلى طريقة لتحويل هذا الاسم إلى رقم.

هنا يأتي دور ما يُعرف بـ خوادم أسماء النطاقات (DNS Servers)، وهي بمثابة دليل هاتف ضخم خاص بالإنترنت. يقوم مزود الخدمة بإرسال استفسار إلى أقرب خادم DNS متاح، يسأله عن العنوان الرقمي (IP) الذي يُقابل اسم النطاق www.ifhmsah.com. هذه العملية تشبه تمامًا قيامك بالاتصال بمكتب الاستعلامات الهاتفي لسؤالهم عن رقم هاتف شخص تعرف اسمه فقط.

الحصول على عنوان IP

يقوم خادم أسماء النطاقات بالبحث في قاعدة بياناته الواسعة عن اسم النطاق المطلوب. عند العثور عليه، يُعيد عنوان IP الرقمي الخاص بالسيرفر الذي يستضيف موقع www.ifhmsah.com إلى مزود الخدمة. على سبيل المثال، قد يكون العنوان الذي يحصل عليه هو 192.0.2.123.

يمكن تشبيه هذا المشهد بمكتب استعلامات الهاتف عندما يعطيك رقم الشخص الذي تبحث عنه، حيث لا يمكنك التواصل معه إلا بعد معرفة رقمه أولًا.

توجيه الطلب إلى السيرفر

بمجرد أن يحصل مزود الخدمة على عنوان IP الخاص بموق www.ifhmsah.com، يقوم بإعادة توجيه الطلب إلى هذا العنوان. وفي الواقع، لا ينتقل الطلب بشكل مباشر من مزود الخدمة إلى السيرفر، بل يمر عبر سلسلة من أجهزة التوجيه أو الراوترات المنتشرة حول العالم.
هذه الأجهزة تتولى توجيه الطلب عبر أفضل المسارات المتاحة في الشبكة العالمية حتى يصل إلى السيرفر المستهدف بأسرع وقت ممكن. العملية تشبه الرسالة البريدية التي تعبر مكاتب بريد متعددة ومحطات توزيع بريدية قبل وصولها إلى العنوان النهائي.

استرجاع الصفحة وإرسالها إليك

بعد أن يصل الطلب إلى السيرفر الذي يستضيف موقع www.ifhmsah.com، يقوم السيرفر بمعالجة الطلب وقراءة البيانات المطلوبة. إذا كان الطلب يشمل فتح الصفحة الرئيسية للموقع، يقوم السيرفر بتجهيز محتويات الصفحة التي تتضمن نصوصًا وصورًا وملفات برمجية أخرى.
بما أن الإنترنت لا يسمح بنقل كل هذا المحتوى دفعة واحدة، يتم تقسيم الصفحة إلى أجزاء صغيرة تسمى حزم بيانات (Data Packets). بعد تجهيز هذه الحزم، يبدأ السيرفر في إرسالها إلى جهاز المستخدم عبر شبكة الإنترنت، مرورًا بنفس أجهزة التوجيه والبوابات التي مر بها الطلب في البداية ولكن في الاتجاه المعاكس.

عندما تصل هذه الحزم إلى جهاز المستخدم، يقوم المتصفح بتجميعها بالترتيب الصحيح، ثم يعرض الصفحة على الشاشة بشكل منسق وواضح.
العملية برمّتها تحدث خلال أجزاء من الثانية، رغم تعقيدها وتشعّبها، ما يعكس مدى تطور وفعالية بنية الإنترنت الحديثة.

هل الإنترنت هو "الويب"؟

كثير من الناس يخلطون بين الإنترنت والويب.

  • الإنترنت: هو البنية التحتية المادية (الكابلات، الخوادم، أجهزة التوجيه) التي تنقل البيانات.

  • الويب (World Wide Web): هو أحد الخدمات التي تعمل عبر الإنترنت، وهو عبارة عن مجموعة من المواقع الإلكترونية والصفحات المرتبطة ببعضها البعض، ويمكن الوصول إليها من خلال متصفح، تماما مثل هذه المدونة والتي هي تطبيق ويب متصل بشبكة من الأسلاك تصل إلى بيتك.

بمعنى آخر: الإنترنت مثل شبكة الكهرباء، والويب هو الأجهزة التي تشتغل عليها.

إذن، الإنترنت هو نظام ضخم ومعقد يشبه شبكة طرق بريدية عالمية متصلة، تنقل الطلبات والبيانات من مكان لآخر بسرعة هائلة، باستخدام عناوين، مكاتب بريد، طرق، وخدمات حماية. وكلما تطلب موقعًا أو تطبيقًا أو تشاهد فيديو، فإنك ترسل رسالة إلى مكان ما على هذا الكوكب ليأتيك بالبيانات التي طلبتها.

حول المحتوى:

تعرف على كيفية عمل الإنترنت خطوة بخطوة، من كتابة الرابط في المتصفح حتى استرجاع الصفحة، مع شرح مبسط لمفاهيم DNS، عناوين IP، والسيرفرات.